أصدر "معهد الأمن القومي الصهيوني" تقديره الاستراتيجي لعام 2015-2016 بهدف مناقشة التطورات والإشكاليات المهددة لدولة الكيان إلى جانب بحث الفرص واحتمالات التحرك التي يمكن استغلالها على أساس تحليل الوضع بشكل مدروس لتقليل من خطورة هذه التهديدات وفتح الطريق أمام الاحتلال لتحسين موقفها الإقليمي والدولي على حد سواء.
وقد أظهرت تقديرات المعهد في تشخيص الفرص السياسية والأمنية في الشرق الأوسط بشكل هام ومعقد، وفي السنوات الخمس الأخيرة تميزت المنطقة بعدم الاستقرار، وكل انفجار جديد يمثل إضافة لسلسلة الاهتزازات الاجتماعية والأيديولوجية والسياسية والجغرافية، التي تجتاح المنطقة والتي أنتجت موجة العنف، وهو الصفة المركزية للشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
"التقلبات الإقليمية في الشرق الأوسط"
وتتناول هذه الدراسة تحليل ثلاثة أحداث مركزية وقعت في الفترة المستطلعة: توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، والذي ضاعف المخاوف في شتى أنحاء الشرق الأوسط والساحة الدولية من أن يخفف الاعتراف العملي بإيران كدولة على الحافة النووية وتخفيف العقوبات المفروضة عليها بهدف تليين موقف المفاوضات الذي اتخذته في الملف النووي؛ وهو ما يسهل عليها مواصلة السعي لزيادة نفوذ المحور الإقليمي الذي تتزعمه، والذي يضم حزب الله (حزب الشيطان) ونظام بشار الأسد، وتدخل العربية السعودية العسكري في الحرب الأهلية في اليمن ومحاربتها للثوار المدعومين من قبل إيران الذي أشار إلى نشاط سعودي متنامٍ في إطار صراع القوى الإقليمية، والتدخل الروسي العسكري في الحرب الأهلية المستمرة في سوريا(الثورة السورية)، والذي غيَر موازين القوى في هذه الحرب من خلال تبيان معيارها الدولي، وكونها ساحة للصراع بين العمالقة.
وبحسب تلك التقديرات فإن "دولة الكيان" لا صلة لها بطبيعة الحال بأي أحد من المعسكرات الإقليمية، أضف إلى ذلك الاستنتاج المركزي غير المفاجئ، والذي نتج عن هذا التحليل، وهو أنه سيصعب على "دولة الكيان" أن توسع وتعمق الحوار والتعاون بينها وبين جهات إقليمية رسمية وغير رسمية ممن يتقاسمون معها المصالح المشتركة دون تقدم واضح في العملية السلمية مع الفلسطينيين.
ووفقا للتقدير؛ فإن ما يجري يعتبر اختبارًا لعوامل التأثير الدولي المركزي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مناقشة حجم وطبيعة تدخل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين، ويشرح مجالات التلاقي والتنافس بينهم فيما يخص الأحداث في المنطقة، و"دولة الكيان" هنا اهتمامها إلزامي في واقع الأمر، حيث تستطيع أن تحافظ على علاقاتها الطبيعية -السياسية والأمنية والاقتصادية -مع مجمل اللاعبين، والذين لا تتساوق مصالحهم فيما بينهم دومًا.
ومن هنا يقود هذا التحليل إلى الاستنتاج أنه وعلى ضوء التدخلات الدولية المتنامية في سوريا؛ يتوجب على "دولة الكيان" أن تهتم بتنسيق سياستها مع الولايات المتحدة على هذه الساحة أيضًا، وذلك كإسهام آخر في جهود خفض التوتر بين الحكومة الصهيونية والنظام الأمريكي الذي تعمق بسبب اختلاف الرأي بخصوص الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة إلى ذلك يتأكد في هذا المقال التقدير المطلوب بأن التركيز على التنسيق بين "دولة الكيان" وموسكو بشأن التدخل الروسي في سوريا مُلح لكي يمنع الاحتكاك العسكري على خلفية العمليات الصهيونية على الساحة السورية، والتي تستهدف منع تحركات العناصر الجهادية وحزب الله على حدود "دولة الكيان" في هضبة الجولان أو تزود حزب الله بوسائل قتالية متطورة.
وأما بالنسبة لعلاقات أوروبا والاتحاد الأوروبي؛ فعنصر التوتر بين الطرفين هو الجمود المتواصل في العملية السياسية الصهيونية الفلسطينية، والانتقاد الأوروبي الشديد لـ"دولة الكيان" بهذا الخصوص، بالإضافة إلى أنه على "دولة الكيان" أن تبدي يقظة بشأن إمكانية التقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي نتيجة لتسخير تركيا جهدها للحد من موجة هجرة اللاجئين من الشرق الأوسط إلى أوروبا؛ ستضيف مدماكًا سلبيًا إلى منظومة العلاقات المعقدة بين "دولة الكيان" والاتحاد.
"استراتيجية دولة الكيان وجهوزيتها الأمنية"
يقدم هذا الباب التحديات والفرص أمام "دولة الكيان" والعلاقة بينها على الساحة الفلسطينية وعلى الجبهة الشمالية - هضبة الجولان ولبنان-، وعلى الساحة التي تقوم فيها علاقات لـ"دولة الكيان" مع جاراتها مصر والأردن على أساس اتفاقيات سلام، وعلى الساحة الجيواستراتيجية، والتي تواجه فيها "دولة الكيان" القوى الإقليمية المختلفة، ويقود هذا التحليل إلى التقدير بأنه وبسبب تقلص الخطر في السنة القريبة القادمة من أن تندلع حرب تكون "دولة الكيان" طرفًا فيها؛ فإن عليها أن تركز الفعل الأمني في المعركة التي بين الحروب، وأن تعزز قوة ردعها، من خلال دفع أثمان إيجابية أيضًا لجهات معينة في محيطها، بما في ذلك مجالي الاقتصاد والطاقة.
إن "دروس الحروب السابقة التي خاضها الجيش الصهيوني" تقول الدراسة إن "دولة الكيان" ستحسن الصنع في حال بلورت مفهومًا استراتيجيًا مرنًا، وأن تلخص بشكل دائم تلخيصًا في إطاره توائم القدرات ووسائل العمل مع المتطلبات الأساسية لكل تحدٍ من التحديات، وفي قلب هذه الاستراتيجية توضع استخدام القوة الناعمة إلى جانب الردود العسكرية الاعتيادية، وهذه الاستراتيجية تستقصي الزوايا الأساسية للأمن القومي في شأنها الاجتماعي والسياسي الداخلي المتمثل في الحكم والتصرف المندفع والمتطرف في المنطقة، والجدل الشعبي في البلاد، والاستقطاب القبلي المعمق في المجتمع، وكذلك الاتجاهات الاقتصادية التي تؤثر على مواجهة التحديات الأمنية.
الاستراتيجية الاستباقية
من بين الكثير من الأمور زخمًا للتقدير القائل بأنه وقبل التصعيد في الكفاح الفلسطيني الشعبي ضد "دولة الكيان"، والذي بدأ في أواخر العام 2015؛ فالتهديد الإيراني اعتبر الأخطر من بينهما، "دولتين لشعبين" حتى ورغم أنه يمكن ملامسة تقلص مستويات تأييد هذه الفكرة التي تذكر بمغزى وأثمان الانفصال عن الفلسطينيين، وعدا ذلك فإن نتائج مجموعات من استطلاعات الرأي العام تلمح إلى أن القيادة لديها تفويضًا شعبيًا في اتخاذ قرارات ثقيلة الوزن، بما في ذلك بشأن عملية سياسية شاملة مع الفلسطينيين.
ومن بين الأمور الأخرى التي تعرضت لها التقديرات، النقاش على تكريس جهود هيئات الجبهة الداخلية المختلفة للاستعدادات قبيل سيناريوهات الهجمات الصاروخية والقذائف، والتي طرأ عليها تقدم ملحوظ، بالإضافة إلى الحاجة المتزايدة للتجهز لمواجهة "الإرهاب" الشعبي، وأيضًا التأكيد على مطلب الاستعداد الشامل قبيل السيناريوهات المتنوعة، وأيضًا إمكانية وقوعها منخفضة نسبيًا، ولكن ضررها يكون كبيرًا.
وقد شملت التقديرات تشخيصات جوهرية بخصوص المحيط الاستراتيجي لـ"دول الكيان" بحثه مدير المعهد القومي الجنرال احتياط عاموس يدلين، والتي تمثل أساسًا لبلورة استراتيجية عليا لسياسة الدولة الخارجية والأمنية على مدى السنوات الخمس القادمة، والاستنتاج المركزي الذي أظهره التشريح هو أنه في الوقت الحالي لدى "دولة الكيان" القدرة على تصميم فرص لدفع موقفها الأمني والسياسي، وسيما في أعقاب التطورات العاصفة التي سجلت في السنوات الأخيرة بالشرق الأوسط، وكذلك التواطؤ على الساحة بشأن الصراع الصهيوني الفلسطيني ليس في قلب التوتر، والصراعات في الشرق الأوسط توفر لـ"دولة الكيان" مدخلًا لبلورة استراتيجية استباقية بالتنسيق مع الولايات المتحدة بهدف تأسيس استجابة للتهديدات، ويمكن أيضًا تقديم ترتيبات سلام بينها وبين دول أخرى في الشرق الأوسط.
0 التعليقات لموضوع "التقديرات الصهيونية الاستراتيجية لعام 2016"
الابتسامات الابتسامات